الامراض النفسية

يعانى الانسان من الالم النفسي كما يعانى من الالم العضوي  ، فالانسان ليس جسدا فقط ولكنه جسد وروح متلاحمان ويؤثر كل منهما فى الآخر.. وإذا قلنا ان الانسان اذا اشتكى من الم فى صدره ، أو فى قلبه، او معدته نجده يعرض نفسه فورا على الطبيب المتخصص ولكن فى حاله المرض النفسى فالوضع يختلف ويظل يعانى فترة طويله حابسا افكاره ومشاعره المؤلمه فى صدره.. وحين يفيض به ولا يستطيع مزيدا من الاحتمال يشكو حينئذ لصديق او قد يذهب للطبيب النفسى ولكن بعد ان يكون قد اجهد نفسه واستهلك طاقته ووقته.

ولقد امكن تقسيم الامراض النفسيه الى مجموعتين رئيستين، وهذا الاختلاف ليس بسبب شدة الاعراض ولكن بسبب اختلافها وتباينها وكأن كل مجموعه تأتى من منبع مختلف ، وينصب هذا الاختلاف على عامل اساسي وهو عامل الاستبصار بالمرض .. فمريض المجموعه الاولى هو انسان يمارس حياته بشكل طبيعى ، قد يكون انا وقد تكون انت وقد يكون اى انسان آخر تعرفه حق المعرفه وتراه كل يوم بل وتعيش معه ولا يبدو إطلاقاً أنه مريض، بل يبدو متزناً وطبيعياً تماماً في مظهره وسلوكه وتفكيره ، ولكن هذا المريض يعاني من الداخل ويعاني دون أن يلحظ احد أنه يعاني، ويتألم ربما إلي حد العذاب ولكنه يكتم إنفعاله ويحاول جاهداً أن يبدو طبيعيا.. وهو مستبصر بحالته ويدرك تماماً أن هناك أمر غير طبيعي جد عليه، ويحار في الأعراض ويحاول أن يتخلص منها، وقد يداريها أو يخفيها إذا كانت شديدة الغرابة أو إذا كانت تدعو إلي الخجل أو إذا كانت مكانته الإجتماعية تمنعه من الظهور بمظهر الضعيف.

ومن الأمراض الشائعة في هذه المجموعة: القلق النفسي ، الإكتئاب التفاعلي ، المخاوف ، الوسواس القهري ، الهستريا ، الأمراض النفسجسمية ( الأمراض العضوية التي سببها نفسي ) ، الإضطرابات الجنسية ، الإضطرابات المصاحبة للحمل والولادة والرضاعة .. وننصح هؤلاء المرضي بسرعة التوجه إلي الطبيب النفسي حيث أن العلاج موجود وكلما أسرعنا به كانت النتائج أفضل.

أما المجموعة الثانية فهي تشمل المريض العقلي، وهو إنسان تفكيره مضطرب وغير منطقي ولكنه لايدرك أنه مريض بل يقاوم هذه الفكرة ويثور علي من يتهمونه بها بل ويعتقد أن الآخرين هم المرضي وهذا يعني أنه منفصل عن الواقع .. ولمزيد من الإيضاح .. إذا كنت تجلس في المنزل بمفردك وسمعت صوتاً يناديك فسوف تقوم فوراً لتبحث عن مصدر هذا الصوت وإذا لم تجده سينتابك الإنزعاج .. ولماذا إنزعجت ؟؟ الإجابة لأن الواقع يملي علينا أن أي صوت لابد وأن يكون له مصدر وأنه من غير المنطقي أن نسمع صوتاَ دون أن يكون هناك مصدر لهذا الصوت. أما المريض العقلي فهو يسمع أصواتاً تناديه وتحاوره دون أن يكون هناك مصدر لها ولكنه يقبلها كحقيقة وكواقع وهذا مانسميه بالضلالات، وهي أفكار يؤمن بها ولا نستطيع إقناعه بعدم واقعيتها، وهي تعبر عن قمة إنفصال المريض عن الواقع.

والإنفصال عن الواقع يقود إلي إضطراب السلوك .. فالإنسان الذي يعتقد أنه مضطهد من جاره قد يتشاجر مع هذا الجار ويعتدي عليه .. والإنسان الذي يعتقد أن زوجته تخونه يظل يراقبها وقد يطلقها أو يشرع في قتلها.
وهذا المريض العقلي إذا أهملت أسرته في علاجه فإن حالته تتدهور وقد يفقد عمله وأسرته إذا كان متزوجاَ.. كما يتركه أصدقاؤه وكذلك يتأثر مستواه الإقتصادي.

وأسرة المريض العقلي تتألم لحاله وتتألم منه، ومعاناتها تكون مضاعفة لأنها عاجزة عن الإقتراب والتعامل معه.. وبقدر ما تتأثر الأسرة بالمرض النفسي فإنها أيضاً تؤثر في مسار المرض ونتائج العلاج .. إذن التأثير متبادل بين الأسرة ومريضها وأيضاً الألم متبادل، فالأسرة – بحسن نية وبسبب عدم المعرفة – قد تزيد من آلام المريض.. والغريب أن الحب الزائد قد يكون سبباً في ظهور المرض وبالمقابل فإن إهمال المرض وإنكار حق المريض في أن يمرض ويتألم قد يكون سبباً في مزيد من معاناة وآلام المريض. ولذلك فالأسرة يجب أن تتثقف، والطبيب النفسي عندما يضع خطة العلاج يضع في إهتماماته أسرة المريض فهي شريك أساسي في المرض وفي نجاح العلاج.

2019-10-14T13:51:32+00:00